فصل: قال في صفوة التفاسير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي يصدقونك بما جئت به من الله، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربهم {وبالآخرة هم يوقنون} أي بالبعث، والقيامة، والجنة، والنار، والحساب، والميزان، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربك.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} قال: هو الفرقان الذي فرق الله به بين الحق والباطل {وما أنزل من قبلك} أي الكتب التي قد خلت قبله {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} قال: استحقوا الهدى والفلاح بحق، فأحقه الله لهم، وهذا نعت أهل الإِيمان، ثم نعت المشركين فقال: {إن الذين كفروا سواء عليهم} [البقرة: 6] الآيتين.
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند والحاكم والبيهقي في الدعوات عن أبيّ بن كعب قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء اعرابي فقال: يا نبي الله إن لي أخًا وبه وجع قال: «وما وجعه؟» قال: به لمم قال: «فائتني به». فوضعه بين يديه فعوّذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من أوّل سورة البقرة، وهاتين الآيتين {وإلهكم إله واحد} [البقرة: 163] وآية الكرسي، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من آل عمران {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] وآية من الأعراف {إن ربكم الله} [الآعراف: 54] وآخر سورة المؤمنين {فتعالى الله الملك الحق} [المؤمنون: 116] وآية من سورة الجن {وأنه تعالى جدُّ ربنا} [الجن: 3] وعشر آيات من أوّل الصافات، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر، و{قل هو الله أحد} والمعوّذتين فقام الرجل كأنه لم يشك قط.
وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل عن أبيه. مثله سواء.
وأخرج الدارمي وابن الضريس عن ابن مسعود قال: من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة، وآية الكرسي، وآيتين بعد آية الكرسي، وثلاثًا من آخر سورة البقرة، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان، ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله، ولا يقرأن على مجنون إلاَّ أفاق.
وأخرج الدارمي وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود قال: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح. أربع من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث خواتيمها. أولها {لله ما في السماوات} [البقرة: 284].
وأخرج سعيد بن منصور والدارمي والبيهقي في شعب الإِيمان عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبد الله قال: من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن. أربع آيات من أوّلها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث من آخرها.
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة، وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة، في قبره».
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال: قال لي أبي: يا بني إذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله، وعلى ملة رسول الله. ثم سن علي التراب سنًا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها. فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق محمد بن علي المطلبي عن خطاب بن سنان عن قيس بن الربيع عن ثابت بن ميمون عن محمد بن سيرين قال: نزلنا يسيري فأتانا أهل ذلك المنزل فقالوا: ارحلوا فإنه لم ينزل عندنا هذا المنزل أحد إلا اتخذ متاعه فرحل أصحابي وتخلفت للحديث الذي حدثني ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ في ليلة ثلاثًا وثلاثين آية لم يضره في تلك الليلة سبع ضار، ولا لص طار، وعوفي في نفسه، وأهله، وماله حتى يصبح».
فلما أمسينا لم أنم حتى رأيتهم قد جاءوا أكثر من ثلاثين مرة، مخترطين سيوفهم فما يصلون إلي، فلما أصبحت رحلت فلقيني شيخ منهم فقال: يا هذا إنسي أم جني؟ قلت: بل إنسي! قال: فما بالك..! لقد أتيناك أكثر من سبعين مرة كل ذلك يحال بيننا وبينك بسور من حديد.
فذكرت له الحديث، والثلاث وثلاثون آية، أربع آيات من أول البقرة إلى قوله: {المفلحون} وآية الكرسي، وآيتان بعدها إلى سورة قوله: {خالدون} [البقرة: 257] والثلاث آيات من آخر البقرة {لله ما في السماوات وما في الأرض} [البقرة: 284] إلى آخرها وثلاث آيات من الأعراف {إن ربكم الله} إلى قوله: {من المحسنين} [الأعراف: 5457] وآخر بني إسرائيل {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإِسراء: 110] إلى آخرها، وعشر آيات من أوّل الصافات إلى قوله: {لازب} وآيتان من الرحمن {يا معشر الجن والإِنس} إلى قوله: {فلا تنتصران} [الرحمن: 3334] ومن آخر الحشر {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} [الحشر: 21] إلى آخر السورة، وآيتان من {قل أوحي} إلى {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة} إلى قوله: {شططًا} [الجن: 14].
فذكرت هذا الحديث لشعيب بن حرب فقال لي: كنا نسميها آيات الحرب، ويقال: إن فيها شفاء من كل داء. فعدّ عليّ الجنون، والجذام، والبرص، وغير ذلك. قال محمد بن علي: فقرأتها على شيخ لنا قد فلج حتى أذهب الله عنه ذلك.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة أوّل النهار لا يقربه شيطان حتى يمسي، وإن قرأها حين يمسي لم يقربه حتى يصبح، ولا يرى شيئًا يكرهه في أهله وماله، وإن قرأها على مجنون أفاق. أربع آيات من أوّلها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث آيات من آخرها. اهـ.

.فوائد بلاغية:

.قال في صفوة التفاسير:

البلاغة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهًا من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1- المجاز العقلي {هدى للمتقين} أسند الهداية للقرآن وهو من الإسناد للسبب، والهادي في الحقيقة هو {الله رب العالمين} ففيه مجاز عقلي.
2- الإشارة بالبعيد عن القريب {ذلك الكتاب} ولم يقل: هذا الكتاب، للإيذان بعلو شأنه، وبعد مرتبته في الكمال، فنزل بعد المرتبة منزلة البعد الحسى.
3- تكرير الإشارة {أولئك على هدى} {وأولئك هم المفلحون} للعناية بشأن المتقين، وجئ بالضمير {هم} ليفيد الحصر كأنه قال: هم المفلحون لا غيرهم. اهـ.

.قال في إشارات الإعجاز:

{أولئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأولئِكَ هُم المُفْلِحُونَ}.
{أولئِك عَلَى هُدىً مِنْ رَبٍّهِمْ} اعلم! أن المظان التي تتلمع فيها النكت: هي نظمها مع سابقتها، ثم المحسوسية في {أولئك} ثم البُعْدية فيها، ثم العلو في {على} ثم التنكير في {هدى} ثم لفظ {من} ثم التربية في {ربهم}.
أما النظم، فاعلم! أن هذه مرتبطة بسابقتها بخطوط مناسبات. منها الاستيناف أي جواب لثلاثة أسئلة مقدرة:
منها: السؤال عن المثال، كأن السامع بعدما سمع أن القرآن من شأنه الهداية لأشخاص من شأنهم- بسبب الهداية- الاتصاف بأوصافٍ، أحبَّ أن يراهم وهم بالفعل تلبسوا بتلك الأوصاف متكئين على أرائك الهداية. فأجاب مُريئًا للسامع بقوله: {أولئك على هدى من ربهم}.
ومنها: السؤال عن العلة، كأن السائل يقول: ما بال هؤلاء استحقوا الهداية واختصوا بها؟ فأجاب: بأن هؤلاء الذين امتزجت واجتمعت فيهم تلك الأوصاف- إن تأملت- لجديرون بنور الهداية.
فإن قلت: التفصيل السابق أجلى للعلة من الإجمال في {أولئك}؟
قيل لك: قد يكون الإجمال أوضح من التفصيل لاسيما إذا كان المطلوب متولدًا من المجموع؛ إذ بسبب جزئية ذهن السامع، والتدرج في اجزاء التفصيل، وتداخل النسيان بينها، وتجلي العلة من مزج الاجزاء قد لايُتفطن لتولد العلة. فالاجمال في {أولئك} لاجل الامتزاج أجلى للعلية.
ومنها: السؤال عن نتيجة الهداية وثمرتها، والنعمة واللذة فيها. كأن السامع يقول: ما اللذة والنعمة؟ فاجاب بأن فيها سعادة الدارين. أي أن نتيجة الهداية نفسها وثمرتها عينها، إذ هي بذاتها نعمة عظمى ولذة وجدانية، بل جنة الروح؛ كما أن الضلالة جهنمها. ثم بعد ذلك تثمر الفلاح في الآخرة.
وأما المحسوسية في {اولئك} فإشارة إلى أن ذكر الأوصاف الكثيرة سبب للتجسم في الذهن، والحضور في العقل، والمحسوسية للخيال. فمن العهد الذِكري ينفتح باب إلى العهد الخارجي، ومن العهد الخارجي ينتقل إلى امتيازهم، وينظر إلى تلألئهم في نوع البشر كأنه من رفع رأسه وفتح عينيه لا يتراءى له إلا هؤلاء.
وأما البُعدية في {اولئك} مع قُربيتهم في الجملة فللاشارة إلى تعالي رتبتهم؛ إذ الناظر إلى البعداء لا يرى إلا أطولهم قامة، مع أن حقيقة البعد الزماني والمكاني اقضى لحق البلاغة؛ إذ هذه الآية كما أن عصر السعادة لسان ذاكر لها وهي تنزل، كذلك كلٌّ من الاعصار الاستقبالية كأنه لسان ذاكر لها، وهي شابة طرية كأنها إذ ذاك نزلت لا إنها نزلت ثم حكيت. فاوائل الصفوف المشار اليهم ب {أولئك} يتراؤن من بُعْدٍ. ولأجل الرؤية مع بُعدهم يُعلم عظمتهم وعلوّ رتبتهم.
وأما لفظ {على} فاعلم! أن سر المناسبة بين الاشياء صيَّر أكثر الامور كالمرايا التي تتراءى في أنفسها؛ هذه في تلك وتلك في هذه. فكما أن قطعة زجاجة تريك صحراء واسعة؛ كذلك كثيرًا ما تذكِّرك كلمةٌ فذة خيالا طويلا، وتمثل نصب عينيك هيئة كلمة حكاية عجيبة. ويجول بذهنك كلام في عالم المثال المثالي. كما أن لفظ بارَزَ يفتح لك معركة الحرب، ولفظ ثمرة في الآية يفتح لك باب الجنة وقس! فعلى هذا لفظ على للذهن كالكُوَّة إلى أسلوب تمثيلي هو أن هداية القرآن بُراقٌ إلهي أهداه للمؤمنين ليسلكوا، وهم عليه في الطريق المستقيم سائرين إلى عرش الكمالات.
وأما التنكير في {هدى} فيشير إلى أنه غير {هدى للمتقين} إذ المنكّر المكرر غير الأول في الاغلب. فذاك مصدر وهذا حاصل بالمصدر، وهو صفة محسوسة قارة كثمرة الاول.
وأما لفظ {من} فيشير إلى أن الخلق والتوفيق في اهتدائهم- المكسوب لهم- من الله.
وأما لفظ الرب فيشير إلى أن الهداية من شأن الربوبية فكما يربيهم بالرزق يغذيهم بالهداية.
{وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
اعلم! أن مظان تحري النكت هي: عطف الواو، ثم تكرار {أولئك} ثم ضمير الفصل، ثم الألف واللام، ثم إطلاق مفلحون وعدم تعيين وجه الفلاح.
اما العطف فمبني على المناسبة؛ إذ كما أن {اولئك} الأول إشارة إلى ثمرة الهداية من السعادة العاجلة؛ فهذه إشارة إلى ثمرتها من السعادة الآجلة. ثم أنه مع أن كلًا منهما ثمرة لكل ما مر، إلا أن الأَولى أَن {اولئك} الأول يرتبط عِرْقُه ب {الذين} الأول، الظاهر أنهم المؤمنون من الأميين، ويأخذ قوته من أركان الاسلامية، وينظر إلى ماقبل {وبالآخرة هم يوقنون}. و{اولئك} الثاني ينظر برمز خفي إلى {الذين} الثاني، الظاهر أنهم مؤمنو أهل الكتاب. ويكون مأخذه أركان الإيمان واليقين بالآخرة. فتأمل!
وأما تكرار {اولئك} فإشارة إلى استقلال كل من هاتين الثمرتين في العلة الغائية للهداية والسببية لتميزهم ومدحهم، إلا أن الأولى أن يكون {اولئك} الثاني إشارة إلى الأول مع حكمه كما تقول: ذلك عالم وذلك مكرّم.
وأما ضمير الفصل فمع أنه تأكيد الحصر الذي فيه تعريض بأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبيّ عليه السلام، فيه نكتة لطيفة وهي: أن توسط {هم} بين المبتدأ والخبر من شأنه أن يحول المبتدأ للخبر الواحد موضوعًا لاحكام كثيرة يُذكَر البعضُ ويُحال الباقية على الخيال؛ لأن {هم} ينَبِّه الخيال على عدم التحديد ويشوّقه على تحري الأحكام المناسبة. فكما إنك تضع زيدًا بين عيني السامع فتأخذ تغزل منه الأحكام قائلا: هو عالم، هو عامل، هو كذا وكذا. ثم تقول قس! كذلك لما قال: {اولئك} ثم جاء {هم} هيّج الخيال لأن يجتني ويبتني بواسطة الضمير أحكامًا مناسبة لصفاتهم، ك {أولئك على هدى} {هم مفلحون} هم فائزون من النار، هم فائزون بالجنة، هم ظافرون برؤية جمال الله تعالى إلى آخره.
وأما الألف واللام فلتصوير الحقيقة. كأنه يقول: أن أحببت أن ترى حقيقة المفلحين، فانظر في مرآة {اولئك} لتمثل لك، أو لتمييز ذواتهم، كأنه يقول: الذين سمعت أنهم من أهل الفلاح أن أردت أن تعرفهم فعليك ب {اولئك} فهم هم، أو لظهور الحكم وبداهته نظير والده العبد إذ كون والده عبدًا معلوم ظاهر.
وأما إطلاق مفلحون فللتعميم؛ إذ مخاطب القرآن على طبقات مطالبهم مختلفة. فبعضهم يطلب الفوز من النار، وبعض إنما يقصد الفوز بالجنة، وبعض إنما يتحرى الرضاء الالهي، وبعض ما يحب إلا رؤية جماله، وهلم جرّا، فاطلق هنا لتعم مائدة إحسانه فيجتني كلٌّ مشتهاه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{أولئك} مبتدأ، خبره الجار والمجرور بعده أي: كائنون على هُدًى، وهذه الجملة: إما مستأنفة، وإما خبر عن قوله: {الذين يؤمنون} إما الأولى وإما الثانية، ويجوز أن يكون {أولئك} وحده خبرًا عن {الذين يؤمنون} أيضًا إما الأولى أو الثانية، ويكون {على هُدًى} في هذا الوجه في محلّ نصب على الحال، هذا كله إذا أعربنا {الذين يؤمنون} مبتدأ أما إذا جعلناه غير مبتدأ، فلا يخفى حكمه مما تقدم.
ويجوز أن يكون {الذين يؤمنون} مبتدأ و{أولئك} بدل أو بَيَان، و{على هدى} الخبر.
و{أولئك} اسم إشارة يشترك فيه جماعة الذُّكور والإناث، وهو مبني على الكَسْرِ؛ لشبهة بالحرف في الافتقار.
وقيل: أولاء كلمة معناها الكناية عن جماعة نحو: هم والكاف للخطاب، كما في حرف {ذلك} وفيه لغتان: المد والقصر: ولكن الممدود للبعيد، وقد يقال: أولالك قال: الطويل:
أُولاَلِكَ قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أُشَابَةَ ** وَهَلْ يَعِظُ الضِّلِّيلَ إِلاَّ أُولاَلِكَا

وعند بعضهم: المقصور للقريب والممدود للمتوسّط، وأولالك للبعيد، وفيه لغات كثيرة، وكتبوا أولئكَ بزيادة واو قبل اللام.
قيل: للفرق بينها وبين {إليك}.
والهدى الرشد والبيان والبَصِيرة.
و{مِنْ رَبِّهِمْ} في محل جر صفة ل {هدى} و{من} لابتداء الغاية، ونكر {هدى} ليفيد إبهامه التَّعظيم كقوله: الطويل:
فَلاَ وَأَبِي الطَّيْرَ الْمُرِبَّةِ بِالضُّحَى ** عَلَى خَالِدٍ لَقَدْ وَقَعْتُ عَلَى لَحْمِ

وروي {من ربهم} بغير غُنّة، وهو المشهور، وبغّنَة، ويروى على أبي عمرو، و{أولئك} مبتدأ، و{هم} مبتدأ ثانٍ، و{المفلحون} خبره، والجملة خبر الأول، ويجوز أن يكون {هم} فصلًا أو بدلًا، و{المفلحون} الخبر.
وفائدة الفصل: الفرق بين الخبر والتابع، ولهذا سمي فصلًا، ويفيد- أيضًا- التوكيد.
قال ابن الخطيب: يفيد فائدتين:
إحداهما: الدلالة على أن الوارد بعده خبر لا صفة.
والثاني: حصر الخبر في المبتدأ، فإنك لو قلت لإنسان ضاحك فهذا لا يفيد أن الضاحكية لا تحصل إلاّ في الإنسان.
وقد تقدم أنه يجوز أن يكون {أولئك} الأولى، أو الثاّنية خبرًا عن {الذين يؤمنون} وتقدم تضعيف هذين القولين.
وكرر {أولئك} تنبيهًا على أنهم كما ثبت لهم الأثرة بالهدى ثبت لهم بالفلاح، فجعلت كل واحدة من الإُثْرَتَيْنِ في تميزهم بها عن غيرهم بمثابة لو انفردت لكانت مميزة عن حدّها، وجاء هنا بالواو بين جملة قوله تعالى: {أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الغافلون} [الأعراف: 179] لأن الخبرين- هنا- متغايران، فاقتضى ذلك العطف، وأما تلك الآية الكريمة، فإن الخبرين فيها شيء واحد؛ لأن لتسجيل عليهم بالغَفْلَةِ، وتشبيههم بالأنعام معنى واحد، فكانت عن العَطْف بمعزل.
قال الزمخشري: وفي اسم الإشارة هو {أولئك} إيذانٌ بأن ما يراد عقبه، والمذكورين قبله أهل لاكتسابه الخَصَال التي عددت لهم، كقول حاتم: الطويل:
وَللهِ صُعْلُوكٌ

ثم عدَّد له فاضلة، ثم عقَّب تعديدها بقوله: الطويل:
فَذَلِكَ إِنْ يَهْلِكْ فَحُسْنَى ثَنَاؤُهُ ** وَإِنْ عَاشَ لَمْ يَقْعُدْ ضَعِيفًا مُذَمَّمًا

والفلاح أصله: الشقُّ؛ ومنه قوله: الرجز:
إّنَّ الحَدِيدَ بِالْحَدِيدِ يُفْلِحُ

ومنه قول بكر النّطاح: الكامل:
لاَ تَبْعَثَنَّ إِلَى رَبِيعةَ غَيْرَهَا ** إِنَّ الْحَدِيدَ بِغَيْرِهِ لا يُفْلَحُ

ويعبر به عن الفوز، والظفر بالبغية وهو مقصود الآية؛ ويراد به البقاء قال: الرجز:
لَوْ أَنَّ حَيَّا مُدْرِكُ الفَلاَحِ ** أَدْرَكَهُ مُلاَعِبُ الرِّمَاحِ

وقال: الطويل:
نَحُلُّ بِلاَدًا كُلُّهَا حُلَّ قَبْلَنَا ** ونَرْجُو الفَلاَحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرِ

وقال: المنسرح.
لِكُلٍّ هَمٌّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ ** والمْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لاَ فَلاَحَ مَعَهُ

والمُفْلج- بالجيم- مثله، ومعنى التعريف في {المُفْلِحون} الدلالة على أن المتقين هم الناي أي: أنهم الذين إذا حصلت صفةُ المفلحين فهم هم كما تقول لصاحبك: هل عرفت السد، وما جُبِلَ عليه من فرط الإقدام؟ إن زيدًا هو هو. اهـ. بتصرف يسير.